بين الحديث عن وساطات خلف الكواليس لتأمين ولادة الحُكومة، والتراشق الإعلامي المُحتدم بين الفريقين الرئيسيين المَعنيّين بعمليّة التشكيل، إختلطت الأمور على الرأي العام. فما هي الوقائع حاليًا؟.
أوّلا: الإتصالات الدوليّة التي جرت مؤخرًا بين كلّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرونوالرئيس الأميركي المُنتخب جوبايدن، ووليّ العهد السُعودي محمد بن سلمان، تناولت ملفّات المنطقة من سوريا إلى اليمن مرورًا بالعراق، مع التركيز علىالملف النووي الإيراني، ومسألة مُعاودة المفاوضات بين واشنطن وطهران، مع بُروزالمُطالبة الفرنسيّة بضرورة إدخال مُمثّلين عن دول الخليج إلى أيّ مُفاوضات مُقبلة، الأمر الذي ترفضه إيران التي تُطالب أصلاً بالعودة إلى الإتفاق من دون الحاجة إلى أيّ جولة تفاوض جديدة، أي من دون أي تعديلات. وفي المَعلومات أنّ التطرّق إلى الملف اللبناني خلال هذه الإتصالات جاء ثانويًا، حيث كان توافق على ضرورة الحفاظ على الإستقرار في لبنان، لما فيه مصلحة الجميع. وبالتالي، إنّ الدور الفرنسي يقتصر على تأمين مِظلّة حماية إقليميّة-دوليّة تفصل لبنان عن صراعات المنطقة، لكنّ مسألة تشكيل الحُكومة الضروريّة لإعادة الإستقرار وللبدء بمسيرة الألف ميل نحو الإصلاح، وكذلك نحو الحُصول على مساعدات وعلى قروض ماليّة من الخارج، لا تزال تحتاج إلى التوافق الداخلي.
ثانيًا: الحملات السياسيّة والإعلاميّة المُتبادلة بين كلّ من "التيّار الوطني الحُر" و"تيّار المُستقبل" بشكل خاص، وكذلك بين مسؤولين مَحسوبين على هذين الطرفين، لا تُساعد على تحضير الأرضيّة لإحداث الخرق المَنشود في الملفّ الحكومي، وهي تُعقّد الوساطات القائمة بعيدًا عن الأضواء لتذليل العقبات.
ثالثًا: النفي المُستمرّ من جانب فريق رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بأنّه يُطالب بثلث عدد الوزراء زائد واحد في الحُكومة المُقبلة، لا يُغيّر كثيرًا في المَضمون، حيث أنّ فريق الرئيس-"التيّار الوطني الحُرّ"، يُطالب بتطبيق مَعايير واحدة في عمليّة التشكيل على مُختلف القوى السياسيّة، وهذا الأمر يقود-بحسب حسابات هذا الفريق، إلى حُصوله مع كلّ من الحليفين: حزب "الطاشناق" والحزب "الديمقراطي اللبناني" على سبعة وزراء، وهو ما لا يُمكن تحقيقه في حُكومة من 18 وزيرًا، إلا في حال تنازل أحد من الأطراف الأخرى عن حصّته. من هنا، ما زالت مَسألة عدد الوزراء محور خلاف، ناهيك عن أنّ تطبيق المعايير الواحدة يعني أيضًا أن يُسمّي فريق رئيس الجمهوريّة الوزراء الذين سيُحسبون على الطائفة المسيحيّة بأغلبيّتهم، وهذا هو محط خلاف إضافي.
رابعًا: لا زيارة جديدة مُتوقّعة للرئيس الفرنسي إلى لبنان، قبل حُصول نوع من التوافق الداخلي على شكل الحكومة وعلى مَضمونها، بما يفتح الطريق أمام البدء بتنفيذ المُبادرة الفرنسيّة، ما يعني أنّ المسألة مرميّة حاليًا في الملعب اللبناني الداخلي. لكنّ الإتصال الذي أجراه الرئيس ماكرون بنظيره اللبناني، يصبّ في خانة الحثّ على تسريع الجهود لتشكيل الحُكومة، وقد تردّد أنّ إتصالاً ثانيًا أجراه الرئيس الفرنسي برئيس الحكومة المُكلّف، دعا فيه إلى تدوير الزوايا لتجاوز العراقيل.
خامسًا: دُخول رئيس مجلس النواب نبيه برّي بشكل علني على خط التأليف بالشكل الذي حصل، إعتبر مُنحازًا إلى جانب موقف رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، بحسب أكثر من تحليل، بحيث أنّ هذا الأمر يُمكن أن يزيد من التعقيدات بدًلا من تذليلها، ويمكن أن يزيد من التشدّد المُتبادل من قبل المَعنيّين بالتشكيل.
وفي ظلّ هذا الواقع القائم، فإنّ الخروج من حال المُراوحة المُستمرّة منذ نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر يَستوجب نجاح الوساطات القائمة حاليًا بعيدًا عن الأضواء، والتي تُحاول التوصّل إلى تنازلات مُتبادلة بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المُكلّف. وهذه التنازلات تقضي بتنازل الأوّل عن الثلث العددي، على أن يُشكّل "حزب الله" الضمانة لعدم تمرير أي قرارات يرفضها فريق الرئيس-التيّار، خاصة وأنّ ثلثي الحكومة ستكون تحت تأثير قوى "محور المُقاومة والمُمانعة" – ولوّ بشكل غير مُباشر. وهذا التنازل-إن حصَل من جانب رئيس الجمهوريّة، سيُقابله تنازل مَطلوب أيضًا من رئيس الحُكومة المُكلّف، عن تسمية أي من الوزراء المسيحيّين، على أن يترك هذه المُهمّة للرئيس، إضافة إلى توقّع الإتجاه أكثر إلى حكومة إختصاص بخلفيّة سياسيّة. ويسعى الوسطاء أيضًا إلى إقتراحات لتسوية الخلاف على وزارتي العدل والداخليّة، بحيث تكون واحدة لكلّ منهما وليس الوزارتين معًا، على أن يتمّ التوافق على الإسمين اللذين سيقودان هاتين الوزارتين بالتكافل والتضامن بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف.
وفي حال فشل المُحاولات الحاليّة لكسر حال الدوران في الحلقة المُفرغة، فإنّ الأمور مُرشّحة لمزيد من التصعيد المُتبادل، حيث يُحضّر رئيس "تيّار المُستقبل" نفسه لمُصارحة الرأي العام بما يحصل خلال مؤتمر صحافي مُرتقب في المُستقبل القريب، قبل ذكرى "14 شباط"، بينما يستعد "التيّار الوطني الحُر" لفتح ملف "التدقيق الجنائي" على مصراعيه، على أن يترافق هذا الأمر مع إستهداف لرموز مَحسوبة على الحريري، وعندها لن يكون هناك حُكومة ولا من يَحزنون!.